منتصرون كثيرون و خسارة واحدة..!!
23/1/2009 12:32 AM
توفيق الحاج
كما توقع العبد الفقير ..تسابق الكثيرون إلى إعلان النصر في محرقة غزة..!!
إسرائيل طبعا وبعجرفتها المتعالية أعلنت انتصارها الباهر ..!! على الأشلاء الممزقة والمعالم المنصهرة ل 1300 فلسطيني حتى تاريخه ،منهم 600 طفل وامرأة ..!!
وعلى جراح5400 أصيبوا بقنابل ال'دايم ' المنضبة والمفسفرة والمسرطنة ،وهي تعد كمفخرة أمريكية أحدث صيحة في عالم القتل الجماعي..!!
وعلى حطام سجن محاصر لا حول له ولا قوة منذ سنوات اسمه قطاع غزة..!!
وهنا سارعنا نحن أيضا إلى إعلان النصر على عدو دموي وقبيح لازال يربض فوق تخومنا ،ويدلدل رجلاه فوق أكتافنا ..
وحجتنا المنطقية أننا انتصرنا في معركة الإرادات ،وصمدنا 22 يوما
أمام جبروت آلة عسكرية لم تصمد أمامها دول مدة 6 ساعات..!!
وإذا جاز لي من باب حرية الرأي الخارج لتوه من ضباب القصف الهمجي ومن غيبوبة الخطاب المنبري فان من واجبي أن أقول للمنتصرين من هنا وهناك أننا كلنا خسرنا..
إسرائيل رغم إمارات احتفالها المكابر والباهت على وجه المريض اولمرت والأزعر باراك.. خسرت وتخسر بشكل متصا عد ومكرر آدميتها ومبررات وجودها ،وتخسر كذلك الثقة بقيم المدنية الغربية التى تبناها شعبها ،وكذلك اسطوانة طهارة السلاح المضحكة التي لطالما تشدق بها قادتها السياسيون والعسكريون والذين لولا المحاباة الدولية والخلل الإنساني في المنظومة الأممية الدولية لكان مكان معظمهم الآن في ضيافة القتلة الصربيين ممن قاموا بمذبحة سابرينيتسا الشهيرة..!!
ولا أدري حقا.. ما الذي يدعو إسرائيل حقا إلى الاحتفال..؟!!
فصواريخ جراد والقسام لم تتوقف عن العزف ،وحماس لازالت تتنفس وتتحدى..!!
هل هو احتفال انتخابي مبكر لثلاثي الخيبة ليفني وباراك والمعتزل اولمرت تمشيا مع شهوة تملكت شعبا متعاليا للانتصار على الجنوب بأي ثمن تعويضا عن مرارة لازال يعانيها من الشمال..؟!!
الله أعلم..
أما نحن فكان من المبكر الفرح بأي نصر قبل أن نتأكد من دفن كل ضحايانا ، ونترحم عليهم بقراءة الفاتحة..،ونصمت ولو دقائق احتراما لهذا الثمن الفادح الذي دفعناه.
فلا زالت هنا وهناك جثث كثيرة تحت أنقاض مئات البيوت المدمرة..!!
20000 آلف بيت مدمر و20000 أسرة مشتتة منكوبة ،وأحياء بكاملها فقدت معالمها في ليل شتائي قارس بلا ماء أو كهرباء.. كل ذلك وأكثر لن تستطيع كتب النصر والتمجيد مهما أوتيت من البلاغة والفصاحة أن تحيط به و بأبعاده التي تتغلغل عميقا كوابيسا مرعبة في ذاكرات أطفالنا الضحلة ،وو جداناتنا المنفطرة..!!
كل ذلك وأكثر كان يتطلب منا أن نتريث قليلا في رفع عقيرتنا بخطابات الإعجاز والمنعة..!!
كلنا يعرف ،وبعيدا عن البيانات العاجلة من قناة الجزيرة وقناة العربية التي تلاحقت عن تتابعات المحرقة بقسوتها وبطولاتها انه لولا المبادرة المصرية التي تبول عليها البعض ثم هرع إليها عند زيادة الوطأة زحفا لوقف إطلاق النار..!!
ليس مدحا في مبارك أو نظامه فهو من أكثر زعماء مصر أمركة وانكفاء ونزعا للعروبة وإنما لأن مصلحته تتطلب أن يحمي النظام من تتابعات وأخطار محرقة بحجم غزة تشتعل في خاصرته ،ومن ضغط شعبي عفوي مسير بذكاء لمصلحة أخوانية..!!
،ومن مخافة سرقة قطرية أو تركية أو سورية لكاميرا الزعامة العربية التي تتقلدها مصر وبلا منازع منذ عهد عبد الناصر ..!!
ثم..
لنكن أكثر صراحة ولننزل قليلا عن شجرة العنترية الفارغة
ألم تكن المبادرة المصرية رغم التشكيك المتعمد بها ،ورغم ضعف رصيدها من حيث قوة الفعل والذي عوضه الدعم الفرنسي الظاهر والأمريكي الخفي هي الخطوة العملية الوحيدة التي لمسنا لها هنا تاثيرا على أرض الواقع مع كل الاحترام لكل بيانات الممانعة والمصانعة العربية والدولية بدء من 'قلوبنا معكم' وانتهاء بالروح بالدم نفديك يا فلسطين '..؟!!
وألم تكن قمة الكويت 'الرجعية'..!! والتي قال فيها قبل انعقادها أبطال المعارك التقدمية على شاشات الفضائيات التجارية وفي
صحف البيزنس.. ماقال مالك في الخمر..!!
الاقرب إلى تقريب النفوس والمصالحة العربيةالضرورية لتضميد الجراح الفلسطينية..؟!!
لقد جاءت مفاجأة الخطاب السعودي في وقتها فألقمت كبار الغوغائيين حجرا ،وسحبت البساط بذكاء من تحت اقدام خدام الاجندة الايرانية..!!
إني في أشد التألم والحزن ،وأنا أذكر هذه الحقيقة الانهزامية المرة ،وكنت أتمنى عوضا عن ذلك أن أكون ناطقا عسكريا عربيا يبشر كل ساعة بتحقيق نصر مؤزر على العدو البغيض وتحرير الأرض السليبة..!!
اعرف انه من الصعب جدا على المرء أن يخرج بعقله ورأيه عن السرب أو القطيع مصارحا ومجاهرا ،وقد يواجه ما يواجه في بلاد لا حرمة لاختلاف المنطق فيها ،ولكن من الأصعب قطعا أن تشتعل الحرب المدمرة الصامتة بين الكاتب وضميره ..!!
قرأت مثلا وشاهدت بكل التقزز ما جرى للزعيم عادل إمام من توجيه سيل من أقذع الاهانات والشتائم على الطريقتين العربية والإسلامية
وانبرى له مشايخ كثر بفتاوى التجريم والتحريم وربما التخوين ووصل الأمر الاستتابة وكأنه إبليس أو أبي لهب هبط على الأرض فجأة..،!!
كل هذا لأنه خالفنا الرأي وانتقد أفعالا تسببت بما نحن فيه..!!
اعرف أن أبطال ورواد هكذا حالة قبيحة ومزرية يتحكم بها تمجيد وتقديس الرأي الغالب نولا تتحمل مجرد الاختلاف الذي لا يفسد للود قضية يبحثون دائما عن 'بردعة ' هنا أو هناك يصبون عليها جام غضبهم تعويضا عن نقص حضاري ما ،أو تنفيسا عن إفلاس وعجز..!!
وأنا شخصيا لا أحترم البتة أفرادا وجماعات مهما كان وزنها، لا تحترم الرأي الآخر ،ولا تقيم وزنا لحرية التعبير ،وفي رأيي أنه لا خير في امة تصرخ في العالمين ليل نهار طالبة حقها في الحرية ،بينما هي تكمم الأفواه ،وتحاصر الأقلام الخارجة عن النسق ،وترهب من يجرؤ على طرح فكرة تخدش التابوهات العتيقة..!!
في النهاية لا استطيع منع نفس من الضحك المر وأنا أشاهد واسمع زغاريد المنتصرين على حطام خسارة عريضة وثقيلة لا تعوض من البشر والحجر كان بالإمكان تفاديها ،وهذا هو الانتصار الحقيقي الذي خاننا فيه ذكاؤنا للأسف..!!